تحيي جماهير الأمتين العربية والإسلامية يوم القدس العالمي وكذلك أحرار العالم المتضامنين مع القضية الفلسطينية ، عبر مسيرات مليونيه في مختلف العواصم والمدن العربية والإسلامية ( طهران ،غزة ، المسجد الأقصى، دمشق، بغداد ، الجزائر وصنعاء) وغيرها من العواصم ، وإن كان لمسيرات الشعب اليمني طابعاً خاصاً ، إذ أنه رغم القصف والحصار المفروض على اليمن خرجت اليوم مسيرات بعشرات ومئات الألوف في 75 ساحة ومدينة يمنية رافعة شعارات الدعم للقدس والمؤكدة على دعم المقاومة حتى تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني.
نستحضر في هذا اليوم الخطوتين الرئيسيتين اللتين أقدم عليهما قائد الثورة الإيرانية " آية لله الخميني " غداة انتصار الثورة ، وهما هما تحويل السفارة الإسرائيلية إلى مقر للسفارة الفلسطينية بعد طرد السفير الإسرائيلي، والإعلان عن يوم القدس العالمي، حين أعلن في آب (أغسطس) 1978 بأن تكون الجمعة الأخيرة من رمضان يوماً للتضامن العالمي مع القدس، وأن يكون حافزاً لتعبئة الامكانات لتحرير القدس وعموم فلسطين للتخلص من الغدة السرطانية التي زرعها الاستعمار في المنطقة. ، وبتنا منذ ذلك التاريخ وفي الجمعة الأخيرة من رمضان نشهد تضامناً شعبياً عربياً وإسلامياً وأممياً مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل دحر الاحتلال وإفشال سياسة تهويد القدس.
متغيران نوعيان
تحل ذكرى يوم القدس في ظل متغيرين نوعين على الصعيد الفلسطيني وعلى صعيد محور المقاومة ، فعلى الصعيد الفلسطيني يمكننا أن نرصد ما يلي:
1-تصاعد العمليات الفدائية النوعية في قلب الكيان الصهيوني ، وتمكن أبناء القدس وعموم الشعب الفلسطيني من إفشال مخطط تهويد القدس والأقصى من بوابة ذبح القرابين وتقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً .
2- استمرار مفاعيل معركة سيف القدس التاريخية التي أصابت العدو الصهيوني في روحه وفي سؤال وجوده ، والتي تمثلت في الهبات الجماهيرية المتراكمة في القدس وبيتا وبرقة و الخليل و وجنين ونابلس وسائر مدن ومخيمات وقرى الضفة الفلسطينية.
3- استمرار تلاحم أبناء شعبنا في مناطق 1948 مع الأهل في الضفة والقدس وغزة.
4-انكفاء خطاب التسوية الأوسلوي ولفظه بشكل نهائي من قبل جماهير شعبنا ، وفقدان قيادة السلطة لأية حاضنة جماهيرية سوى حاضنة المنتفعين مصلحياً منها.
وعلى صعيد محور المقاومة : يمكننا الجزم بأن أن المسار البياني لمحور المقاومة بات في صعود سواء في لبنان أو في سورية واليمن وفلسطين وقوى المقاومة في العراق ، وبات العدو يعيش مرحلة الدفاع بعد أن خسر كافة معاركه ، وبعد أن بات معسكر التطبيع الذليل يعيش حالة تراجع وانتكاسة كبيرة ، دفعته لعقد مؤتمري شرم الشيخ والنقب بحضور رئيسي للجانب الصهيوني ، في محاولة بائسة لترميم جبهة التطبيع والتتبيع الخيانيه .
وقد جاءت العمليات الفدائية الأربع في عمق الكيان لتسدد ضربة نجلاء في جسد التطبيع ولتعلن أن فلسطين ستظل عصيةً على الانكفاء ، وأنها ستظل خنجراً مشهراً في وجه كل من يتآمر عليها .
لقد شكل محور المقاومة داعماً مركزياً لفصائل المقاومة الفلسطينية، على الصعد السياسية والمادية والعسكرية ، وزودها بالأسلحة النوعية وبتقنيات تصنيع الصواريخ، ما مكنها من التصدي للعدوان الصهيوني المتكرر على قطاع غزة في الأعوام 2008 ، 2012 ، 2014 ، 2019 ، ومن ثم المبادرة في معركة هجومية على العدو الصهيوني تحت مسمى معركة سيف القدس في مايو ( أيار) 2021 رداً على الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى وعلى مخطط العدو لتفريغ " ي الشيخ جراح " من سكانه العرب.
لقد أطلق سيد المقاومة "حسن نصر الله" – عشية يوم القدس - على محور المقاومة مسمى جديدا " حلف القدس" للتأكيد على مركزية القدس في برنامج محور المقاومة، وأكد فيه على وقوف عموم المحور إلى جانب المقاومة الفلسطينية ودعمها بكل السبل ، وذلك بعد أن سبق وأكد بأن التهديد الوجودي للقدس سيؤدي إلى حرب إقليمية ، وكذلك خطابه في يوم القدس الذي قال فيه "أن العمليات الجهادية أحدثت هزة عنيفة في الكيان الصهيوني، وبرهنت أن (اسرائيل) تقهر وليست قدرا، مشيراً إلى أنه ومنذ عام تطورت مسارات المقاومين وحركات المقاومة ، وأن العمليات الفردية تمثل تصاعداً نوعيا في مسار المقاومة ما عزز القلق الوجودي للصهاينة ، ودفع العدو للانكفاء وراء الأسوار والجدر ، وأثر بالسلب على الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وأعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية على الصعيد العالمي .
كما لفت انتباه المراقبين ،خطاب كل من قائد الثورة الإيرانية " آية الله خامنئي" وقائد حرس الثورة الإيراني الجنرال "حسين سلامي" اللذان أعاد الصراع مع العدو الصهيوني إلى طبيعته الأولى ، مؤكدين على دعم إيران الاستراتيجي لمقاومة الشعب الفلسطيني حتى تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني ، ومشيرين إلى أن "الشعب الفلسطيني المقاوم، والذي واجه الاعتداءات الوحشية، تحول إلى ذروة المقاومة والصمود، وهو الشعب الذي غير المعادلات، ويمتلك اليوم السيف، وقد تمكن من المحافظة على مقاومته على الرغم من كل معاناته".
قيمة يوم القدس:
أولاً: في قضية التحالفات
أنه أعاد الاعتبار لقضية التحالفات بوصفها شرط رئيسي إلى جانب العامل الذاتي لتحقيق الانتصارات التكتيكية والاستراتيجية ، إذ أنه بعد رحيل جمال عبد الناصر وانقلاب 15 مايو 1971، وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد 1978 ، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وما آلت إليه الأوضاع في العراق بعد احتلاله عام 2003 ، وبعد المؤامرات الاستعمارية الرجعية الكونية على سورية، واندلاق العديد من الكيانات الوظيفية للتطبيع مع العدو الصهيوني أصبح ظهر القضية الفلسطينية مكشوفا ، وأصبحت المقاومة الفلسطينية بدون حليف تسند ظهرها إليه، جاءت إيران – التي تنكرت لها القيادة المتنفذة في منظمة التحرير - لتعوض عن غياب هذه التحالفات ولتشكل الحليف الاستراتيجي لفصائل المقاومة الفلسطينية والعمود الفقري لمحور المقاومة، وبات فعلها يسبق قولها في دعم المقاومة بالسلاح وبالمال وبالموقف السياسي المتقدم.
ثانياً : وفي السياقين المبدئي والاستراتيجي ، تتمثل قيمة يوم القدس العالمي بما يلي:
1- أنه لا يتعامل مع قضية القدس الشرقية، بل يتعامل مع القدس ككل بقسميها الشرقي والغربي كمدينة عربية إسلامية واحدة، عاصمة لدولة فلسطين التاريخية الممتدة من النهر إلى البحر ومن رأس الناقورة وحتى رفح.
2- التأكيد على أن فلسطين والقدس درتها هي القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية بما يرتب عليهما المشاركة بكل الوسائل لدعم الحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني.
3- أنه رد من قبل أكثر من مليار عربي ومسلم على ما جاء في صفقة ترامب بأن القدس عاصمة موحدة وأبدية باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، والذي تم تبنيه من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهذا الرد يقول: "أن القدس كانت ولا تزال وستظل ليس عاصمة لفلسطين فحسب، بل عاصمة للأمة بكاملها.
4- أن هذا اليوم مناسبة للتعبئة القومية والأممية والإسلامية ضد الاحتلال، ومن أجل تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني من دنس الاحتلال الصهيوني.
5- قيمة هذا اليوم لا تكمن في السياق المناسبي، بل أنه حافز لمقارعة الكيان الصهيوني الغاصب للقدس ولعموم فلسطين، ولدعم المقاومة الفلسطينية بوصفها رأس الحربة المتقدم في مواجهة هذا الكيان الغاصب.
6- قيمة هذا اليوم أنه يركز على البعد الاستراتيجي في الصراع مع العدو الصهيوني باعتباره صراع وجود وليس صراع حدود، وأن لا حل للقضية الفلسطينية إلا بزوال هذا الكيان.
7- قيمة هذا اليوم في السياق التاريخي بعد رحيل آية الله الخميني أنه بمنطلقاته وشعاراته؛ يرفض نهج التسوية مع العدو الصهيوني ( كامب ديفيد – اوسلو – وادي عربة ) ويرفض المساومة على أي من الحقوق التاريخية الوطنية للشعب الفلسطيني.
في ذكرى يوم القدس ...سؤال ما العمل ؟
في رحاب يوم القدس لا بد من رسم برنامج المهمات المطلوبة على نحو:
1-على فصائل المقاومة أن تعلن بوضوح في السياق التنظيمي أنها جزء لا يتجزأ من محور المقاومة ، وأن تعمل على تحقيق نقلة نوعية في التحالف الاستراتيجي مع إيران.
2- أن تبادر فصائل المقاومة إلى إقامة جبهة وطنية عريضة بمهمتين رئيسيتين هما : تفعيل نهج المقاومة بكل أشكالها لدحر الاحتلال ، والعمل على إسقاط نهج أوسلو ميدانياً ، وتحديد موقف من الفصائل التي تضع رجلاً في المقاومة وأخرى في نهج السلطة الأوسلوي.
3-إنجاز تكامل ميداني بين قوى المقاومة في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن في إطار غرفة عمليات مشتركة .
4- رفع وتيرة الدعم للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وكذلك توفير الدعم المادي لصمود أهل القدس في مواجهة سياسة التضييق الاقتصادي والتهجير.
5- رفع وتيرة التصدي لأنظمة التطبيع التي باتت تشكل الغطاء السياسي لتهويد القدس والمقدسات ومصادرة الأراضي والاستيطان .